بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ .[1]
سورة الناس سورة قصيرة، آخر سورة في الجزء الثلاثين وآخر سورة في القرآن الكريم من حيث الترتيب لا النزول, وهي مكية، وآياتها ست، نزلت بعد سورة الفلق.
محتويات
1 سبب نزول السورة
2 فضلها
3 تفسير السورة
4 المراجع
5 طالع كذلك
6 وصلات خارجية
سبب نزول السورة
سبب نزول المعوذتين ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) قصة لبيد بن الأعصم الذي سحر رسول الله في مشط ومشاطة وجف قشر الطلع طلعة ذكر ووتر معقود فيه إحدى عشر عقدة مغروز بالابر. فانزلت عليه المعوذتان, فجعل كلما قرا آية انحلت عقدة ووجد في نفسه خفة محمد حتي انحلت العقدة الأخيرة فقام فكأنما نشط من عقال.
فضلها
عن عائشة ا قالت: ( كان رسول الله,اذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ (قل هو الله أحد) والمعوذتين، ثم مسح ما استطاع من جسده، يبدأ براسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثا).[2]
قال النبي: ( قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء. ) رواه أحمد والترمذي والنسائي عن عبد الله بن حبيب .
وقال النبي: ( يا عقبة ألا اعلمك خير سورتين قرئتا؟ قل أعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس. يا عقبة اقرأهما كلما نمت وقمت ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما. ) رواه أحمد والنسائي والحاكم عن عقبة .
تفسير السورة
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ : هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدا في الخيال والمعصوم من عصمه الله.[3]
وقد ثبت في الصحيح أنه (ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير) وثبت في الصحيح عن أنس في قصة زيارة صفية بنت حيي للنبي وهو معتكف وخروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي أسرعا فقال رسول الله: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ـ أو قال شرا) وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن بحر حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: (إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس) غريب.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله قال: (عثر بالنبي حماره فقلت تعس الشيطان فقال النبي: لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت: تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته وإذا قلت: باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب وغلب) تفرد به أحمد إسناده جيد قوي وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله: إن أحدكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطان فالتبس به كما يلتبس الرجل بدابته فإذا سكن له زنقه أو ألجمه) قال أبو هريرة: وأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلا كذا لا يذكر الله وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل تفرد به أحمد وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ .
قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس وكذا قال مجاهد وقتادة وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه: ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذكر الله خنس وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: { الوسواس } قال: هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس.[4]
وقوله تعالى : الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا وقال ابن جرير: وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم. وقوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ هل هو تفصيل لقوله: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ثم بينهم فقال: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ وهذا يقوي القول الثاني وقيل لقوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ سورة الأنعام:112.
وكما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا المسعودي حدثنا أبو عمر الدمشقي حدثنا عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال: (أتيت رسول الله وهو في المسجد فجلست فقال: يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا قال: قم فصل قال: فقمت فصليت ثم جلست فقال: يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن قال: فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين؟ قال: نعم قال: فقلت يا رسول الله الصلاة؟ قال: خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر قلت: يا رسول الله فالصوم قال: فرض مجزئ وعند الله مزيد قلت: يا رسول الله فالصدقة؟ قال: أضعاف مضاعفة قلت: يا رسول الله فأيها أفضل قال: جهد من مقل أو سر إلى فقير قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم قلت: يا رسول الله ونبيا كان؟ قال: نعم نبي مكلم قلت: يا رسول الله كم المرسلون؟ قال: ثلثمائة وبضعة عشر جما غفيرا وقال مرة: خمسة عشر قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم }).
ورواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به وقد أخرج هذا الحديث مطولا جدا أبو حاتم بن حبان في صحيحه بطريق آخر ولفظ آخر مطول جدا فالله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: (جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال: فقال النبي: الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة). ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور زاد النسائي والأعمش كلاهما عن ذر به[5].
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.
فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ .[6]
المراجع
1^ القرآن الكريم - سورة الناس.
2^ الحديث النبوي.
3^ في ظلال القرآن - سيد قطب.
4^ تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن, سورة الناس, صفحة 230.
5^ تفسير المراغي - أحمد مصطفى المراغي.
6^ سورة الناس: تجويدا وتفسيرا.